من الصرف الصحي إلى الفم.. فضيحة سماد “البودريت”
حذر فارس شعت، المختص في الإنتاجية الزراعية ومكافحة الآفات، من الاستخدام العشوائي لهذا النوع من السماد، مؤكدًا: “البيودريت ليس سمادًا عضويًا بالمعنى التقليدي، بل هو مزيج من ملوثات قاتلة.
رغم التحذيرات المستمرة، لا يزال بعض الفلاحين في مصر يلجأون إلى استخدام “البودريت” — وهو سماد ناتج عن معالجة مخلفات محطات الصرف الصحي — في تسميد أراضيهم، طمعًا في زيادة الإنتاجية بتكاليف منخفضة. إلا أن هذا الخيار يحمل في طياته كوارث صحية وبيئية، تبدأ من التربة ولا تنتهي عند صحة الإنسان.
ويُعرف “البودريت” بعدة أسماء مثل “سماد المجاري” أو “قذر البالوعات”، ويُستخرج من الرواسب المتبقية بعد معالجة الصرف الصحي، حيث تُخلط بالتراب والجبس أو حامض الكبريتيك لتثبيت النشادر، ثم تُجفف وتُستخدم كسماد عضوي. غير أن ما يبدو أنه “تدوير للنفايات” يخفي خلفه أضرارًا لا تحصى.
خطر متعدد الأوجه: أمراض قاتلة وتربة ملوثة
تشير دراسات علمية حديثة إلى أن استخدام هذا السماد يتسبب في أمراض خطيرة منها:
الالتهاب الكبدي الوبائي
الفشل الكلوي
السرطان
كما تؤدي المعادن الثقيلة الموجودة في “البودريت”، مثل الكادميوم والرصاص والزئبق والزرنيخ، إلى تدمير أنسجة الكبد والكلى والجهاز العصبي، إضافة إلى إحداث تلف للأعضاء الحيوية في الإنسان والحيوان، ناهيك عن تأثيرها طويل الأمد على جودة التربة.
وفي هذا السياق، حذر فارس شعت، المختص في الإنتاجية الزراعية ومكافحة الآفات، من الاستخدام العشوائي لهذا النوع من السماد، مؤكدًا: “البيودريت ليس سمادًا عضويًا بالمعنى التقليدي، بل هو مزيج من ملوثات قاتلة. احتواؤه على فضلات بشرية ممزوجة بصرف المستشفيات والمصانع يجعله قنبلة بيئية موقوتة تنفجر في صحة المزارع والمستهلك على حد سواء”.
من التربة إلى المائدة.. كيف تنتقل الكارثة؟
بحسب تقارير علمية، تنتقل الملوثات من “البودريت” بعدة طرق:
من التربة إلى النبات ثم الحيوان ثم الإنسان.
من التربة مباشرة إلى الإنسان.
من الغبار المحمول بالهواء.
من المياه الجوفية والسطحية الملوثة.
وتشير تقارير إلى أن الأمر لا يقتصر على المرض فحسب، بل نحن أمام تآكل تدريجي للرقعة الزراعية. البودريت يحتوي على نسب عالية من الكلور والصوديوم، ما يؤدي إلى تملّح التربة وتآكل بنيتها، وهو ما يجعلها غير صالحة للزراعة بعد عدة سنوات من استخدام هذا السماد.
الحظر الرسمي.. ولكن!
على خلفية هذه الكوارث، أصدرت إدارة شؤون البيئة تعليمات صارمة إلى الجمعيات الزراعية لحصر جميع المزارعين الذين يستخدمون البودريت، وتحرير محاضر رسمية ضدهم، معوقف صرف مستلزمات الإنتاج لمن يثبت استخدامه لهذا السماد.
وكانت دول عدة — منها الولايات المتحدة، السعودية، الكويت، عمان، العراق، والبحرين — قد فرضت حظرًا على واردات زراعية مصرية بسبب احتوائها على ملوثات عضوية ومتبقيات مبيدات، وأشهرها محصول الفراولة المصري الذي وُجهت له اتهامات بالتسبب في إصابات بفيروس الكبد الوبائي “A”.
دعوات لحملات توعية وإرشاد
يطالب المختصون بإطلاق حملات توعية فورية من خلال “المراكز الإرشادية” التابعة لوزارة الزراعة، بالتعاون مع وزارة البيئة” و”وزارة الصحة”، لتثقيف الفلاحين بمخاطر “البودريت” على الصحة العامة والمجال الزراعي.
ويرى فارس شعت أنه لا يكفي الحظر القانوني، بل يجب الوصول إلى الفلاح بمعلومة بسيطة وواضحة، تقول له إن كل قرش يوفره باستخدام البودريت، سيدفع مقابله صحة عائلته وتدمير أرضه”.
واعتبرت تقارير أن استخدام “البودريت” في الزراعة ليس مجرد خطأ، بل جريمة بيئية وصحية مكتملة الأركان، وبين طمع الإنتاج السريع وإغفال العواقب، تتآكل التربة وتنتشر الأمراض، بينما تتراجع سمعة الصادرات الزراعية المصرية عالميًا.
إرسال التعليق